"جديد" السعودية هذه المرة هو ما أعلنه رئيس الهيئة العامة للرياضة، تركي آل الشيخ، بشأن تنظيم المملكة بطولة "البلوت"، المعروفة في بعض الدول العربية بـ"الورق" أو "الكوتشينة" أو "الشدة"، وذلك خلال الفترة المقبلة، متجاوزاً سلسلة طويلة من الفتاوى التي تُحرِّم اللعبة تحريماً "لا لبس فيه".
وتُعد لعبة "البلوت" أحد فروع أوراق اللعب الشهيرة، وتنتشر في دول الخليج العربي، وتقوم على أربعة لاعبين، ولها قوانينها الخاصة التي تميزها عن باقي فروع ألعاب الورق، التي تحتاج أربعة لاعبين أيضاً.
- تفاصيل البطولة
في فبراير الماضي، أعلن الحساب الرسمي للهيئة العامة للرياضة السعودية، التي تُعد الجهة المسؤولة عن جميع الأنشطة الرياضية في المملكة، إطلاق بطولة "البلوت" على كأس الهيئة العامة للرياضة، قبل عدة أيام، بجوائز مالية تُقدر بمليون ريال سعودي؛ منها نصف مليون لصاحب المركز الأول.
معالي رئيس مجلس الإدارة الأستاذ تركي آل الشيخ يوافق على إطلاق بطولة المملكة للبلوت على كأس الهيئة العامة للرياضة بجوائز مالية قدرها:نصف مليون ريال لصاحب المركز الأولو250 ألف ريال لصاحب المركز الثانيو150 ألف ريال لصاحب المركز الثالثو 100 ألف ريال لصاحب المركز الرابع شاهد قوانين لعبة البلوت
ويحتضن مركز "أبسك" للمعارض والمؤتمرات في العاصمة السعودية الرياض فعاليات البطولة، التي ينظمها الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية والذهنية، خلال الفترة ما بين 4 و8 أبريل الجاري.
وعيَّن "آل الشيخ" لاعب كرة القدم السابق شويش الثنيان مديراً للبطولة، على أن تبدأ الهيئة تسجيل اللاعبين الراغبين في المشاركة، عن طريق الموقع الذي سيُدشَّن لذلك.
- الملك سلمان و"البلوت"
ويأتي الإعلان عن إقامة بطولة رسمية للعبة "البلوت" بجوائز مالية ضخمة، بعد ظهور العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو يشارك أصدقاءه وأقاربه اللعبة الشهيرة بمجالس التسلية في أوساط الشباب العاطلين عن العمل.
ووفقاً للفيديو المتداول على منصات التواصل والشبكات الاجتماعية، فقد جلس الملك سلمان على طاولة مخصصة للعب وهو يستمع لابن أحد مستشاريه وهو يلقي عليه قصيدة "مدح"، ليقوم بعدها بدعوة بعض الحضور للعب معه.
وكان حساب "العهد الجديد" على "تويتر"، الذي دأب على نشر وكشف أسرار عن الأسرة الحاكمة السعودية، قد أعلن قبل عدة أشهر أن الملك سلمان "أدمن" اللعبة، ولا يتركها إلا لتناول الطعام.
- لعبة "مُحرمة"
وكان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، قد أفتى بتحريم لعب "الورق"؛ إذ قال: "إذا كان بعِوَضٍ فهو الميسر والقمار الذي جعله الله قريناً للخمر، وأخبر بأنه رجس من عمل الشيطان، وأخبر بأنه يُوقع العداوة والبغضاء؛ فهو حرام شديد التحريم".
وأضاف قائلاً: "أما إذا كان من دون عِوض فإنه يحرم أيضاً؛ لأنه يضيِّع الوقت على الإنسان، وربما يسهر في هذه اللعبة ويترك صلاة الفجر مع الجماعة أو في الوقت، وأيضاً يختلط الإنسان بأشكال من الناس غير مرغوب فيها، ويحصل في أثناء اللعب من الكلام البذيء والشتم وغير ذلك ما لا يخفى. فعلى المسلم أن يبتعد عن هذه الألعاب الدنيئة التي تضيِّع عليه وقته في غير فائدة".
وكان مفتي المملكة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، قد أفتى في 19 نوفمبر 1981، بتحريم لعبة "البلوت"، ولو كانت من دون عِوَض (القمار)؛ لأنها "تشغل عن ذكر الله، وتضيِّع الوقت بلا فائدة، وتفضي إلى الشحناء والبغضاء".
- "تويتر" يشتعل
وبمجرد الإعلان عن البطولة قبل شهرين، انتشر وسم: "#بطولة_المملكة_للبلوت" كالنار في الهشيم، واحتل المرتبة الأولى في لائحة الأكثر تداولاً في السعودية؛ حيث تضمن تبايناً واضحاً في الآراء؛ ما بين مؤيد للفكرة (قلة) وساخر بشدة (أغلبية) من إقامة أول بطولة رسمية للعبة "الورق" في البلاد.
وانقسمت الآراء على موقع التغريدات القصيرة "تويتر" إلى قسمين؛ إذ يرى الطرف المؤيد أن لعبة "الورق" تحظى بشعبية وجماهيرية واسعتين في دول مجلس التعاون الخليجي منذ القِدم، وأنه لا بد من الاهتمام بالإرث والتراث والحفاظ عليه بمختلف الطرق والوسائل.
فكرة و قوانين لعبة البلوت رائعة جداًهذي اللعبة يحبها الكبير و الصغير و الأمير و الغفيرلعبة الشعب الأولىأوقع لها النجاح و أتمنى وجود الراعي القوي و القناة الناقلة المناسبة
أما النقطة الأكثر أهمية، والتي استحوذت على اهتمام قطاع واسع من المغردين؛ فتمثلت بتسليط الضوء على "تناقض" رجال الدين السعوديين، المقربين من أروقة صنع القرار؛ بعدما حرَّموا لعبة "البلوت" سابقاً، وأباحوها حالياً، وفقاً لأهواء "الحاكم"، من وجهة نظرهم.
وبدا غضب السعوديين واضحاً بشدة؛ حيث اعتبروا إقامة بطولة رسمية لـ"البلوت"، مع رصد مكافآت مالية ضخمة لها، تُعد "سخافة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وارتفاع الأسعار، وفرض متزايد للضرائب، فضلاً عن تضييعها الوقت، وما يرافقها من شتائم ومشاحنات وضغائن بين الأصدقاء، وفتح الباب لـ"القمار".
ويأتي إقامة لعبة سبق تحريمها منسجماً مع تراجعات كثيرة في السعودية، تحوَّل فيها الأمر "المُحرم" إلى "التحليل"؛ بفضل فتاوى أُعدَّت خصوصاً لتوافق رؤية السلطة الحالية، على غرار ما حدث بشأن السماح للمرأة بقيادة السيارة، فضلاً عن سلسلة قرارات وتوجهات رسمية وُصفت بأنها "تغريبية" و"مخالِفة" لما استقر في وجدان السعوديين عبر عقود طويلة.
- مشاهير "يهلِّلون" لـ"آل الشيخ"
ورغم العديد من الفتاوى التي حرَّمت "البلوت" تحريماً واضحاً، فإن مشاهير الرياضة والفن في السعودية "سارعوا"، كالعادة، للتهليل لقرار الهيئة العامة للرياضة، ورئيسها تركي آل الشيخ، الذي أدخل بلاده في سلسلة أزمات دبلوماسية مع دول عربية؛ كالمغرب والكويت وقطر، منذ تعيينه على رأس الهيئة، في سبتمبر 2017.
وعلَّق الإعلامي الرياضي السعودي بقناة "العربية"، بتال القوس، على بطولة المملكة للبلوت، قائلاً: "البلوت إرث اجتماعي سعودي، ولها قوانين لعبة البلوت وإعلان بطولة لها حدث سيفتح الأبواب لكثير من النقاشات"، قبل أن يضيف بقوله: "الجوائز قيِّمة، والبطولة تستحق هذا الصخب الذي رافق إعلانها؛ بل إن الصخب جزء من البلوت نفسها".
No comments:
اضافة تعليق