willsmithويل سميث



لا يحوي هذا العنوان أي مبالغة إذ ليس المقصود منه إطلاق الألقاب الفخمة على الممثل الأسمر
(ويل سميث) الذي لا يزال بعيداً عن استحقاق لقب كهذا، إنما المقصود هو الإشارة إلى فيلمه الجديد الذي يحمل اسم (أنا أسطورة- I Am Legend) والذي لا يزال يحقق نجاحات كبيرة في شباك التذاكر على مستوى العالم محققاً أكثر من مائة وخمسين مليون دولار في أمريكا وحدها خلال أسبوعين فقط. وهذا النجاح وإن كان تجارياً حتى الآن إلا أنه يضاف إلى جملة من النجاحات السابقة ل(ويل) كان آخرها إنجازه في الفيلم الإنساني الرقيق (البحث عن السعادة) عندما نال ترشيحاً لأوسكار أفضل ممثل في السنة الماضية.


في فيلم (أنا أسطورة) يواصل (سميث) الظهور في أفلام ممتعة ذات نفس تجاري صريح لكنها إلى ذلك تحوي جودة وتقانة سواء في فكرتها أو في ملامحها البصرية الخلابة، في (أنا أسطورة) هناك عزف على أوتار الزومبي وخراب العالم والصراع بين العلم والإيمان، إضافة إلى محاكاة مدهشة للعالم في عام 2012عندما عمّ البلاء الكرة الأرضية فلم يبق منها سوى مدن أشباح وهياكل بشرية مهدّمة، ويحتل (ويل سميث) موقعه في هذا العالم الخرب بوصفه المنقذ الوحيد الذي سيخلص العالم من بلاء الفيروس الذي انطلق من نيويورك عام 2009ليتلاعب في التركيبة الجينية لخلايا البشر محولاً إياهم إلى وحوشٍ كاسرة تعيش في الظلام وتقتات على اللحم الإنساني.



الكارثة تبدأ من أول مشهد في الفيلم عندما ظهرت عالمة في لقاء تلفزيوني لتعلن فيه عن آخر إنجازات العلم والمتمثلة في اكتشاف علاج للسرطان وذلك عن طريق اقتحام الشفرة الجينية للخلايا السرطانية والعبث بمكوناتها الداخلية وتحويلها من خلايا هادمة إلى أخرى معزِّزة للمناعة وبالتالي فإن السرطان سيقضي على نفسه بنفسه. هذه النظرية التي تبشر بمستقبل سعيد للإنسان لم تأت بالنتائج المرجوة منها بل على العكس جاءت نتائجها كارثية ليس على سكان مدينة نيويورك بل على العالم كله، ودليل ذلك يظهر مباشرة في المشهد الثاني من الفيلم، حيث نرى مدينة نيويورك خاوية على عروشها، فلا بشر ولا حياة، إنما خراب ودمار، فالشوارع غصت بالأشجار التي توزعت على غير تنسيق، وبالسيارات المكدسة بلا ترتيب، والبيوت خلت من سكانها إلا من حيوانات تنتقل بحرية كأنها في غابة لم تطأها قدم إنسان قط. ووسط هذا الخراب نرى (روبرت نيفيل) -يؤدي دوره (ويل سميث)- وهو يتجول بسيارته مع كلبته (سامانثا) باحثاً عن غنيمة يصطادها من بين قطيع الغزلان الذي يجري أمامه في شوارع نيويورك الشهيرة.



و(روبرت نيفيل) هذا هو أحد علماء الجيش الأمريكي وقد أصرّ على البقاء لوحده في المدينة لأنه شعر أن من واجبه القضاء على الفيروس، لذلك قام بتحويل منزله إلى ما يشبه الثكنة العسكرية المحصنة بستار من الحواجز التي تقيه هجمات سكان المدينة المصابين بالفيروس والذين تحولوا إلى مخلوقات - زومبي - متوحشة، وفي وسط المنزل أنشأ مختبراً يجري فيه تجاربه على الفيروس بحثاً عن علاج. وخلال ثلاث سنوات قضاها في دروب الوحشة والعزلة يشعر (نيفيل) بحاجته للتخاطب مع كائن إنساني، فأخذ يبث في جولاته النهارية برسالة إذاعية وعلى ترددات واسعة بحثاً عن أي إنسان سليم، لكنه لا يحصل على مراده، ولا يجد ذلك الإنسان، ليستعيض عنه بتماثيل ومجسمات جامدة يتحدث إليها كما لو كانت بشراً من لحم ودم، وفي ذلك تعبير عن شعور عميق بالوحشة.

الفيلم يقدم حكايته بشكل مباشر خالٍ من التركيب، فهنا نجد إعلاناً عن اكتشاف علمي جديد، وفي المشهد التالي صورة للدمار الذي حاق بنيويورك نتيجة هذا الاكتشاف، وليس هناك شيء أبعد من هذين المستويين، فما نراه في الفيلم هو تصوير فقط لمغامرات الدكتور (نيفيل) في شوارع المدينة الخاوية وسعيه الحثيث للحصول على العلاج، وهذه المغامرات كانت من الإثارة والحماس بحيث غطت على أي محاولة لمنح الفيلم شيئاً من العمق، رغم المحاولات التي بذلها المخرج للغوص في نفسية البطل، وذلك بتصوير فاجعته بموت زوجته وطفلته الوحيدة في الليلة الأولى لبداية الحجر الصحي على مدينة نيويورك عام 2009، إضافة إلى البحث عن الأسباب التي أجبرته على اتخاذ القرار بالبقاء في المدينة رغم الفرصة التي وفرتها له الحكومة للفرار من هذا الكابوس.

المميز في الفيلم هو جانبه البصري وقدرته على محاكاة مدينة نيويورك المنكوبة، إضافة إلى أنه يقدم شكلاً جديداً لأفلام (الزومبي) فيه شيء من المنطق والواقعية، ذلك أن أحداث أفلام الزومبي التقليدية تجري عادة في إطار لا منطقي حيث البشر يتحولون بلا أسباب واضحة إلى زومبي ويهجمون على المدن ولا شيء وراء ذلك، ما يجعل قصص هذه الأفلام بعيدة عن التحقق في واقعنا المعاش، أما فيلم (أنا أسطورة) فهو يقدم قصته بغلاف من المنطقية يجعلها قابلة للتحقيق في أي لحظة، إذ من الذي يضمن أن المختبرات الكيماوية للجيوش لن تخترع فيروساً يفعل بالبشر مثل الذي حصل في الفيلم؟!. أضف إلى ذلك أن مكان الحدث هو شوارع مدينة نيويورك التي نعرفها فعلاً بضجيجها وصخب الحياة فيها ومع ذلك نحن نراها الآن محاطة بالصمت والسكون والدمار، وفي ذلك تعزيز للواقعية وتأكيد لإمكانية حدوث الكارثة.

No comments:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2019 الراي الاخر